ليلة الإسراء والمعراج

قصة ليلة الإسراء والمعراج .. معجزة عظيمة تحمل بين طياتها دروس وعبر

سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1) (سورة الإسراء)

كانت رحلة الإسراء والمعراج معجزة أيّد الله بها عبده محمد صلى الله عليه وسلم ونَصَر بها دعوتَهُ، وأظهَرهُ على قومِه بدليلٍ جديدٍ ومعجزةٍ عظيمةٍ يعجزُ عنها البَشر. كانت معجزة إلهية متكاملة فاقت مخيلة العرب، لم تكن أبدًا حدثًا عاديًا، وكان لها أثرها الكبير في نفس رسول الله إذ أُسري به (لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا)، فكانت تثبيتًا له بعد ما لقي من أهل الطائف وبعد موت عمه وزوجته، وفيما يلي أحداث الرحلة وبعض الدروس المستفادة منها لتكون لنا منهاجًا نقتبس منه.

وعلى الرّغمِ من عدمِ ذكرِ الحادثةِ تصريحاً في آياتِ القرآنِ الكريمِ، إلَّا أَّنها اشتَملت إشاراتٍ تُؤيِّدُ صحَّتها، منها ما وَرَدَ في قوله تعالى: (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ – عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَىٰ – عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَىٰ – إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ – مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ – لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَىٰ)

وفي تفسيرِ الآية: (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ)؛ فإنّ رؤيةَ الرَّسولِ عليهِ الصَّلاة والسَّلامُ لجبريل كانت على هيئَتهِ التي خَلقهُ اللهُ عليها، وكانت هذه الرؤيةُ مرَّتينِ: أولاهما ليلةَ البعثِ لمَّا أوحى إليهِ، والثَّانيةُ ليلةَ الإسراء.

المكان والزمان

هناك قولان في مكان الرحلة وهما:

أوّلهما من المَسجِدِ الحَرام؛ إذ كانَ رسولُ اللهِ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ نَائِمًا فِي الْحِجْرِ، فَكانَت انطلاقةُ الرِّحلةِ من موضِعه.
ثانيِهما: من بَيْتِ أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ، وثلَّثَ آخرونَ بقولِ: كُلُّ الحرَمِ مسجِد.

وأيضًا قولان في الزمان وهما:

أولهما: نُقِلَ أنَّها وَقَعت قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِثَلَاثِ سِنِين.
ثانيهما: قِيلَ قبلَها بِسَنَةٍ وَاحِدَة.

أحداث ليلة الإسراء والمعراج

نروي لكم القصة كما رواها حبيبنا عليه الصلاة والسلام، بدأت رحلة الإسراء بِقدومِ ثلاثةٍ من الملائكةِ الكِرام بينَهم جبريلُ وميكائيلُ، فجعلوا جَسدَ رسولِ اللهِ لِظهرهِ مستقبِلاً الأرضَ وهو نائم، ثمَّ شقُّوا بطنَهُ، فغسَلوا ما كانَ بهِ من غلٍّ بماءِ زمزمَ، ثمَّ ملؤوا قلبَه إيماناً وحِكمةً، ثمَّ عَرَضَ له لبناً وخمراً، فاختارَ الرَّسولُ الكريمُ اللَّبنَ فشَرِبهُ، فبشَّرهُ جبريلُ بالفِطرة، ثمَّ أركبَهُ جبريلُ دابَّةً يُقالُ لها البُراقُ، فانطَلَق بهِ البُراقُ إلى المسجدِ الأقصى يسوقُهُ جبريل، فأنزَلَهُ طيبَةَ، فصلَّى بها، وأخبرهُ ما يكونُ من هجرتِه إليها، ثمَّ أنزلَهُ طورَ سيناءَ حيثُ كلَّمَ الله موسى عليهِ السَّلامُ، فصلَّى بهِ، ثمَّ أنزَلهُ بيتَ لحم مولِدَ عيسى عليهِ السَّلامُ، فصلَّى فيها، ثمَّ دنا بهِ إلى بيتِ المقدِسِ فأنزَلهُ بابَ المَسجِدِ، ورَبَطَ البراقَ بالحلقةِ التي كان يربط بها الأنبياءُ، ثمَّ دخلَ المسجد ليَلتقي أنبياءَ الله المبعوثينَ قبلَه، فسلَّموا عليهِ، وصلّى بهم ركعتَين.

أحداث المعراج

بدأت أحداثُ المعراجِ بصعودِ الصَّخرة المُشرَّفة؛ إذ سارَ جبريلُ بالرّسول صلّى الله عليه وسلّم إليها، ثمَّ حملَهُ منها على جناحِهِ؛ ليصعَدَ بهِ إلى السَّماءِ الدُّنيا، ويتجلَّى بها بعدَ أن استفتَح واستأذن، فاطَّلعَ الرَّسولُ على بعضِ أحداثِ السَّماءِ الأولى، ثمَّ ارتقى بهِ جبريل إلى السَّماء الثَّانيةِ، فاستفتحَ، فأُذِنَ لهُ، فرأى فيها زكريا وعيسى بن مريمَ عليهم سلام الله جميعاً، ثمَّ ارتقى به جبريلُ إلى السَّماءِ الثَّالثةِ، فرأى فيها يوسف عليه السَّلام، ثمَّ ارتقى به جبريلُ إلى السَّماءِ الرَّابعةِ وفيها إدريسُ، ثمَّ إلى الخامسةِ وفيها هارون، ثمَّ ارتقى بهِ إلى السَّادسةِ وفيها موسى، ثمَّ إلى السّابعة وفيها إبراهيمُ عليهم صلواتُ الله جميعاً وسلامه، ثمَّ انتهى بهِ جبريلُ إلى سدرةِ المُنتهى، فتقدَّمَ بهِ جبريلُ إلى الحجابِ وفيهِ مُنتهى الخَلق، فاستَلمَهُ مَلَكٌ، وتخلَّفَ عنه جبريل، فارتقى بهِ الملكُ حتَّى بَلَغَ العرشَ، فأنطقَهُ اللهُ بالتَّحيَّاتِ، فقال عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام: (التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ وَالصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ)، وفيهِ فُرِضت الصَّلاةُ خمسينَ صلاةً على النَّبيِّ وأمَّتِهِ كلَّ يومٍ وليلةٍ، ثمَّ صَحِبهُ جبريلُ فأدخلهُ الجنَّةَ، فرأى من نَعيمها ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت، ثمَّ عرضَ عليهِ النَّارَ، فَنَظَرَ في عذابِها وأغلالِها، ثمَّ أخرجَهُ جبريلُ حتَّى أتيا نبيَّ اللهِ موسى، فأرجَعهُ إلى ربِّهِ يسألهُ التَّخفيفَ، فخفَّفَ عنهُ عشراً، ثمَّ أرجَعهُ موسى فسألهُ التَّخفيفَ، فخفَّفَ اللهُ عنهُ عشراً، ثمَّ لم يَزلْ بينَ ربِّهِ وموسى حتَّى جَعلَها الله خمسَ صلواتٍ في اليومِ واللَّيلَةِ، ثمَّ أرجَعَهُ موسى إلى ربِّهِ يسألهُ التَّخفيف، فأعرَض الرَّسولُ عليه الصَّلاة والسَّلامُ عن ذلكَ؛ استحياءً من الله تعالى وإجلالاً، فناداهُ ربُّه: (إنِّي قد فرضْتُ عليكَ وعلى أمَّتِكَ خَمْسِينَ صَلَاةً، وَالْخَمْسُ بِخَمْسِينَ، وَقَدْ أَمْضَيْتُ فَرِيضَتِي وَخَفَّفْتُ عَنْ عِبَادِي)، ثمَّ عادَ بهِ جبريلُ إلى مضجَعِهِ، وكلُّ ذلِكَ في ليلةٍ واحدةٍ.

دروس وعبر من رحلة الإسراء والمعراج

أولاً تكريم الرسول صلى الله عليه وسلم والأنبياء والأمة الإسلامية

لعلَّ هذا هو أبرز المعاني في هذه الرحلة الخالدة؛ فالرحلة من أولها إلى آخرها عبارة عن فقرات تكريمية لسيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم، وكانت بذلك احتفالية غير مسبوقة لا يمكن مقارنتها بأي تكريم آخر على مرِّ التاريخ!

ثانيًا: تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم والتسرية عنه

كان العام العاشر من البعثة من أشَقِّ الأعوام على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقد ماتت فيه زوجته القريبة إلى قلبه خديجة رضي الله عنها، التي لم تكن مجرَّد زوجة؛ إنما كانت صديقة وحبيبة وناصحة ومستشارة؛ ففقد رسول الله صلى الله عليه وسلم بموتها الشيء الكثير، وحمل بعدها وحده مسئولية البنات التي تركتهن خديجة رضي الله عنها وراءها، إضافة إلى حِمْل الدعوة الثقيل، ومات كذلك أبو طالب عمُّ الرسول صلى الله عليه وسلم، وحزن الرسول صلى الله عليه وسلم كثيرًا لموته، فكان ألمه صلى الله عليه وسلم لذلك كبيرًا، وتعرَّض رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك لآلام شديدة في مكة عندما تطاول أهلها عليه بعد وفاة عمِّه؛ مما وصل به إلى الدعاء عليهم للمرَّة الأولى في حياته؛ وذلك كما مرَّ بنا في موقف الكعبة، ثم تفاقم الألم أكثر بعد رحلة الطائف المفجعة، حيث تعرَّض الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبه زيد بن حارثة رضي الله عنه للأذى المعنوي والجسدي، وعاد صلى الله عليه وسلم إلى مكة مهمومًا باكيًا ليدخلها في إجارة مشرك ليس من قبيلته؛ هو المطعم بن عدي من بني نوفل؛ وذلك بعد أن تخلَّت عنه عائلته الشريفة بنو هاشم.

ثالثًا: تعليم الرسول صلى الله عليه وسلم وأمته

ما أكثر ما سأل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم جبريلَ عليه السلام في هذه الرحلة: ما هذا يا جبريل؟! كانت الرحلة وكأنها رحلة تعليمية مُشَوِّقة؛ تعلَّم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم الكثير، ونقله إلينا كاملاً، فعرفنا في دقائق أو ساعات ما يعجز العلماء عن معرفته أبد الدهر! لقد عرفنا أشياء عن السماء وأبوابها، وحُرَّاسها، وأهلها، وعرفنا صفة بعض الأنبياء، وعرفنا تفاصيل كثيرة عن السماء السابعة، وسدرة المنتهى، والبيت المعمور، وعرفنا تفاصيل عن الجنة والنار، والأكثر من ذلك أننا اطَّلعنا على كثير من الأمور العملية التي تُساهم في نجاحنا في اختبار الدنيا، والوصول إلى الجنة بسلام.

رابعًا: ترسيخ الإيمان بالغيب

إن الإيمان بالغيب ركن ركين من أركان الارتباط بهذا الدين وفهم أصوله، ولا معنى للإيمان أصلاً دون يقين في الغيب؛ ولنتدبَّر في تعريف الإيمان كما عَرَّفَه رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما سأله جبريل عليه السلام عنه؛ وذلك كما روى عمر بن الخطاب رضي الله عنه: قال -أي جبريل عليه السلام-: “فَأَخْبِرْنِي عَنِ الإِيمَانِ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلاَئِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ”. قَالَ جبريل عليه السلام: صَدَقْتَ”. إننا لا نرى اللهَ تعالى بعيوننا في الدنيا، وكذلك لم نرَ الملائكة، ولا الكتب الصحيحة غير المحرَّفة السابقة للقرآن، ولا الرسل، وكذلك اليوم الآخر، ولا نعرف شيئًا البتَّة عن القدر الذي كتبه الله تعالى وأمضاه؛ إن هذا يعني أن كل أركان الإيمان عبارة عن “غيب” بالنسبة إلينا؛ فإذا اهتزَّ الإيمان بالغيب اهتزَّ الدين من أساسه. فالإيمان بالغيب هو الذي سيقود العبد إلى إقامة الصلاة، والإنفاق في سبيل الله، والقيام بكل تكاليف الدين. وهنا يأتي الدور العظيم لرحلة الإسراء والمعراج!

خامسًا: تحقيق الاختبار للناس

من المؤكد أن التصديق بإمكانية حدوث رحلة الإسراء والمعراج يحتاج إلى إيمان عميق بالله عز وجل، وبرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم؛ فالرحلة من أولها إلى آخرها خروج عن المألوف، والرحلة من أولها إلى آخرها كذلك خارجة عن إمكانيات البشر وقدراتهم؛ ومن ثَمَّ فإن ضعيف الإيمان سيُنكر بقوَّة إمكانية حدوث الرحلة، وهو بذلك وكأنه يُعلن عن شكِّه في قدرة الله سبحانه، أو شكِّه في صدق الرسول صلى الله عليه وسلم، وكلا الشكَّين محبطٌ للإيمان؛ فصارت بذلك الرحلة كاشفة عن هؤلاء المذبذبين، وفاضحة لضعفاء الإيمان، ولقد أكَّد الله تعالى على هذا الهدف تحديدًا -هدف اختبار الناس- في كتابه الكريم في قوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ} [الإسراء: 60]، وجاء سياق الآية بأسلوب القصر، وكأنه يُريد أن يقصر أهداف رحلة الإسراء والمعراج على هذا الهدف فقط لأهميته.

المصادر:
  • المراجع ↑ “أساليب الإعلام الإسلامي”، إسلام ويب.
  • الشيخ أحمد الشرباصي (9-9-2012)، “من خصائص القصة في القرآن الكريم”، الألوكة الشرعية. بتصرّف.
  • “القصة في القرآن الكريم”، إسلام ويب.
  • “الإسراء والمعراج”، إسلام ويب.
  • ابن كثير الدمشقي، تفسير ابن كثير، صفحة 413، جزء 7.
  • عز الدين ابن الأثير، الكامل في التاريخ، صفحة 650-651، جزء 1.
  • ابن الأثير، الكامل في التاريخ، صفحة 650-654، جزء 1.
  • موقع قصة الإسلام، راغب السرجاني (قصص وعبر من رحلة الإسراء والمعراج)

لا تنسوا تحميل تطبيق آي خير للتبرع من خلال الجوال كي يساعدكم في التصدق بسهولة من مكانكم والمشاركة في عام الخير، كما أن التطبيق به منبه للصدقات يذكركم بالتبرع وقتما تحبون.

A image that shows lnkstore